بابكر إسماعيل
في مائة وخمس وعشرين ساعة بثّ مشوق وخمسمائة حلقة مدبلجة باللغة العربية .. طوّف بنا المخرج التركي الشاب محمد بوزداغ في التاريخ السحيق لهضبة لأناضول وقبائلها وعاداتها وتقاليدها ومجدها عبر السرد المشوّق لحياة أرطغرل السياسية والعاطفية والعائلية وفتوحاته وجهاده الذي حمل راياته من بعده ابنه عثمان الأوّل مؤسس الدولة العثمانية ..
صمّم المخرج مدينة كاملة في أحد الأدغال القريبة من أسطنبول شيّد فيها مخيمات القبائل التركية الرعوية وقلاعاً بيزنطية ومعسكرات مغولية ..
تمّت ترجمة المسلسل التاريخي المحبوك درامياً إلي خمس وعشرين لغة وبُثّ علي ثمانين قناة تلفزيونية وبلغت مشاهداته علي اليوتيوب ثلاث مليارات مشاهدة .. وعرضه التلفزيون القطري كاملاً مدبلجاً بلسان عربي مبين وفصيح وجميع حلقاته متاحة في الفيسبوك وغيرها من الوسائط مجاناً ..
عمود هذه الدراما التلفزيونية وحبلها السُرّي هو حب أرطغرل للسلطانة حليمة التي تزوجها وأنجب منها أبناءه الثلاث: قندوز وسافجي وعثمان (المؤسس) وبعد موتها عافت نفسه الزواج وتفرّغ لتربّية أبنائه الثلاثة بمعاونة والدته “الأم هَيما”
أدّت إسراء بيلجيتش (٢٤ عاماً) دور السلطانة حليمة وهي في الأصل عارضة أزياء ..
حيث أبدعت في دور الزوجة الصالحة المحافظة علي الدين والتقاليد والمحبة الداعمة لزوجها والمؤمنة بقضيته وجهاده ولكن ما أن انتهي دورها في المسلسل حتي عادت لحياتها الطبيعية فرؤيت في إحدي شواطيء إسطنبول شبه عارية لا يستر جسدها السلطاني إلا خرقتين صغيرتين مما أثار عليها حنق الأتراك وعشّاق المسلسل حيثما كانوا.
كذلك عكس المسلسل تمسّك القبائل التركية في ذلك العهد بتقاليدها التي ترجع لجدهم أوقوز خان وحبّ تلك القبائل للإسلام والجهاد
التمسك بالتقاليد ظهر في كيفية اختيار زعيم القبيلة وسيّدها حيث ينتخب مجلس السادة زعيم القبيلة (ويسمّي سيّد القبيلة) ويتكون مجلس السادة من وجهاء القبيلة ومحاربيها..
والسيادة عند القبائل التركية ليست وراثية محضة حيث يمكن لأي عضو في مجلس السادة الترشح وطرح نفسه في حالة خلوّ المنصب أو عند عدم الرضاء عن سيّد القبيلة الحالي ..
ورأينا ذلك جليّاً عندما مرض سليمان شاه والد أرطغرل فتحدّي سيادته صديقه وأخوه في الدم كورت أوغلو ثَمّ لاحقاً تنازع أرطغرل وأخيه قوندقدو علي سيادة قبيلة الكايلار عقب وفاة والدهم سليمان شاه .. حيث رجحت كفة قوندقدو بعد الدعم المالي المغولي الذي قام بتنسيقه واستلامه كورت أوغلو . وتعرّض أرطغرل نفسه لتحدٍ لسيادته وتعرّض فيها لمحاولات اغتيال بالسمّ والأسر وكثير من اللأواء ..
ولا تتحرّج القبائل التركية في أن تتسيّد عليها امرأة وتتخذ كل القرارات الخطيرة فقد تولّت الأم هَيما والدة أرطغرل سيادة قبيلة الكايلار لبضع سنوات عقب وفاة زوجها سليمان شاه وذلك تفادياً للخلاف بين أرطغرل وأخيه قوندقدو علي سيادة القبيلة ورجحت كفّة قوندقدو لاحقاً بسبب الدعم المغولي المستتر كما أسلفت وبسبب إنحياز أخيهما الأكبر سونغور تيكين لقوندقدو ..
وكذلك رأينا كيف أن أسليهان بنت زعيم قبيلة الشافدار تولّت سيادة قبيلتها عقب وفاة أبيها وأخويها .. وحدث نفس الشيء في قبيلة الأومور عندما تولّت إيلي بيغلي زعامة قبيلتها عقب اغتيال البيزنطيين لأبيها وقتل أرطغرل أخاها الباستي بسبب تآمره مع المغول ضدّ القبائل التركية .. وقد تزوجها أرطغرل لاحقاً ..