وقبرنا اليوم ذلك الرجل الذي ستفتقده الملمات والأزمات،. قبرنا إدريس سليمان، ذلك الهين كالطفل، القوي كالصخرة، الوثاب كالأسد، الراسخ كالجبل، اللطيف كالنسمة،. النشط كالنحلة،. المؤمن كذرات الكون،. فعميق الإيمان كقليل من كثير من الناس.
رحل إدريس سليمان الذي يفوق الشباب في الهمة ويفوق الشيوخ في الحكمة ويفوق السياسيين في الحنكة ويفوق القادة في حسن الإدارة،. ويفوق الملهمين في الإيمان برسالته ودعوته.
ألهم الشباب بحركته ونشاطه، وألهمهم بتفكيره وتنظيمه، وألهمهم بحسن استغلاله لأدواتهم قبل أدواته،. يمسك الخيوط بعضها ببعض ويحسن الإمساك بها ويينجح في توجيهها إلى ما يريد تحقيقه من النتائج.
يتحرك في دعوته وينشط كالإمام القائد ،. لا يهتم فقط إلى ما بيده من ملفات ومهام،. ينظر إلى المشهد كاملا فيعين بقية أخوانه في تحريك بيادقهم وأدواتهم إلى ما يكمل المشهد ويحقق الصورة التامة الكاملة.
يهتم بما يحقق المصلحة الكاملة للجميع،. للوطن ولحركة الإسلام ومن ثم لتياره الأخص فالأخص ،. اجتهد أيما اجتهاد ونادى حتى بح صوته بدعوته إلى الوفاق وإلى التوافق،. جاب كثير من المدن وخاطب الكثير من وسائل ووسائط الإعلام وعقد الكثير من المخاطبات والمؤتمرات يتحدث بالأدب الجم والقوي من الطرح ولم يتحدث حينها إلى بما يجمع الناس لا بما يفرقهم، وبما يقويهم لا بما يوهنهم وما يحسن مآلهم لا ما يسوءهم،. حظه من ذلك موروثاته من بيئته الدينية وبيته الكبير المفتوح ،. وحظه من ذلك كسبه من رسالة الأنبياء الذين تسمى باسمهم،. ثم حظه من ذلك تدينه الذي اختاره لنفسه مجدا فقيها فاعلا عاملا.
عاش قائدا، حييا، متواضعا، هاشا، باشا، يشارك الجميع في أدق وأصغر مناسباتهم يهنئ هذا ويواسي ذاك ، لم يتغيب للحظة عن إخوانه،. وإن قهرته الظروف سارع بالاعتذار الشخصي ووعد بالجميل من الوصال والوصول.
مهما تكاثرت الحروف والكلمات فلن تستطيع أن توفي هذا الجبل الشامخ حقه من الكلام،. فلفقد إدريس يعجز البيان، ولفقده تتكاثر الأحزان،. فقد كان من القلائل الذين يدخرهم الزمان بحنكتهم وحكمتهم قادة لمستقبل حركة الإسلام، وفرسانا لقادمات أيامها ولكن لا نقول إلا ما يرضي الله،. إنا لله وإنا إليه راجعون،. إن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن ، وإنا لفراقك يا إدريس يا سليمان لمحزونون محزونون.