من الشخصيات الأمريكية التي نالت شهرة وحباً على نطاق العالم الراحل رمسي كلارك Ramsey Clark مساعد وزير العدل في حكومة كنيدي والمدَّعي العام في إدارة جونسون.
نذر ذلك الرجل حياته للدفاع عن المظلومين ومناهضة سياسة الإمبريالية الأمريكية على نطاق العالم، وعُرّف بأنه Committed Internationalist، ووصف حكومة بلاده – بحق – أنها حكومة ونظام يسيطر عليه الأثرياء Plutocracy، والظلمة.
في مسيرته لإحقاق الحق عارض رمسي كلارك الحرب ضد العراق، وكان من بين المحامين الذين تطوَّعوا للدفاع عن صدام حسين.. ولما أصدر القاضي حكمه وصفه بأنه استهزاء وسخرية بالعدالة Mockery of Justice.
وقد أنصف رمسي كلارك السودان حين قاد وفداً أمريكياً من محامين وكيميائيين، بعد ضرب أميركا لمصنع الشفاء للأدوية، وبعد تحرياته وتحقيقاته خلصوا إلى أن المصنع لا يصنع غاز الأعصاب كما قالت المعارضة السودانية للحكومة الأمريكية.. واعترفت الحكومة الأمريكية بصحة ما خلصت إليه لجنة رمسي كلارك.
الذي يهمنا اليوم نتيجة بحوث رمسي كلارك عن التدخل الإنساني Humanitarian Intervention الأمريكي، والذي قال فيه: إن أميركا تدخلت في 47 بلداً بحجة أن تدخلها لأغراض إنسانية، في حين أن أيًّا منها لم يكن لأغراض إنسانية.
سبق أن تنبأت في مقالي بتاريخ 5 مايو الجاري والذي كان بعنوان (الخطة B) بأن الملأ يأتمرون بنا ليتدخلوا بحجة الحاجة الإنسانية ليأتوا على سيادتنا، ومناصرة متمردي حميدتي وملئه قوم قحت ليعيدوهم لمسرح السياسة السودانية تارة أخرى.
وهذا يقودنا إلى ما سُمّي: (الإعلان الإنساني – جدة)، لنبدي بعض الملاحظات والمحاذير بشأنه.
ولابد للسودانيين أن يتذكروا تجربتهم مع عملية شريان الحياة Operation Lifeline -Sudan، التي وافقت عليها حكومة الصادق المهدي، وجرى تنفيذها في 1 أبريل 1989. وكذلك يوناميد UNAMID، ويونيتامس UNITAMS الجارية الآن.
نفيد أن العوامل المشتركة بين العمليات الثلاث هي:
– جرى اختراق أمني وتهديد مباشر للأمن القومي السوداني.
– تحيز ضد السلطة الحاكمة، وموالاة لمعارضيها.
– كانت كل عملية وسيلة لتدخل دولي أكبر وضار بالسودان.
وتذكرون سادتي أنني لفتُّ النظر إلى أن الخواجات أخذوا يتحدثون عن مجاعة ضربت 15 مليون سوداني في اليوم الثالث لحرب متمردي حميدتي!!!!
قناعتي أن أخطر ما جاء فيما سُمّي: (إعلان جدة – الالتزام بحماية المدنيين في السودان) في ثالثاً، الذي نَصّ على السماح بالعمليات الإنسانية. وخاصة الفقرة (ب) والفقرات (ب-1) و(ب – 2) و(ب – 4) والفقرة (ج).
وذلك لأن هذه الفقرات قيّدت سلطة الدولة وقالت باستقلال العمليات الإنسانية، والمرور الآمن والسريع للمساعدات، ومن ثم يمكن أن تعد عمليات التفتيش القانونية عوائق تلام عليها الدولة. وتعطي هذه الفقرات كامل الحرية للحركة والتجول للعاملين في المجال الإنساني، علماً بأنهم عادة يعملون لصالح مخابرات دول، كما أكدت كل التجارب السابقة في السودان وفي غيره.
أما الفقرة (ب -4) فمنها خوف، حين قالت:
“الامتناع عن التدخل في العمليات الإنسانية الرئيسية وعدم مرافقة العاملين في المجال الإنساني عند قيامهم بالأنشطة الإنسانية” وذلك رغم نصها على “مراعاة إجراءات العمل الإنساني في السودان”؛ وذلك لأن تجارب السودان مع عملية شريان الحياة وكذلك مع يوناميد أكدت على تحايل وتحيز العاملين مع الطرف المناهض للدولة.. ومع ضعف أجهزة الرقابة الإنسانية لدينا تبقى المراعاة المنصوص عليها غير فاعلة.
ثم هناك سؤال عن: ما هي “المعايير التي تحدد الممرات الإنسانية”؟؟
وهناك إشارة لممرات من “خارج البلد”!!! حين قال الإعلان: “على النحو الذي تقتضيه الاحتياجات إلى البلد”.. ومع ما أعلنه السيد مني مناوي عن فتح ممرات من تشاد تتزايد المخاوف.
ولنتذكر أن ممر عملية شريان الحياة القادم من لوكيشيكو في كينيا، كان الممر الذي انهمرت منه الأسلحة والمهمات العسكرية وطواقم التدريب العسكري على قوات قرنق.
ولنتذكر أن حكومة السودان طردت عدداً من العاملين في يوناميد لتدخلاتهم العدائية.
وهكذا كانت الممرات الآمنة Tranquility Corridors سُبل عداء وترويع للسودان، لتحيز القائمين عليها.
وأزعجني ما جاء في الفقرة (ثانياً – ك) التي نَصّت على الإجلاء الطبي بواسطة المنظمات الإنسانية. ومصدر الإزعاج أن قيادات كبيرة من هؤلاء المتمردين موجودون بالمشافي..
وفي مستشفى أبرار الخاص بنيالا يوجد عبد الرحيم دقلو.
فهل سيُجلى مثل هذا خارج السودان لينجو بجلده رغم جرائمه؟؟
ومنذ متى كانت هذه المنظمات مؤتمنة وإنسانية خالصة؟؟
يُلاحظ أن الإعلان ساوى بين حكومة السودان والمتمردين، ولم يِشِر إلى أن الجرائم والفظائع ارتكبت بواسطة المتمردين، فأصدر مناشداته “للطرفين”، ويعلم القاصي والداني من ارتكب كل تلك الجرائم.
وددت لو أن وفدنا وقَّع على ورقة منفصلة حتى لو قال فيها إنه موافق على ما جاء في الإعلان.
وعلى كلٍ فمن تجاربي في متابعة عملية شريان الحياة وما كتبته عنها، ثم متابعتي ليوناميد، ومن تجارب عالمية مشهورة ظلت كلمة “إنسانية” البريئة مدخلاً لشرور، وسبيلاً لاختراق السيادة وانتهاك الأمن القومي في كثير من الدول.
ولمعرفتنا بتحيزات أميركا والسعودية فلابد من حذر شديد.
أما ثالثة الأثافي فهي التحضيرات التي يجريها البلدان لجمع قحت والجيش وحميدتي في الجولة القادمة!!
فالمساعي حثيثة لإعادة قحت وإحياء حميدتي، وقد جاء ذلك في بيان الخارجية السعودية، وصرح به الأمريكان، وڤولكر، وقال به ياسر العطا!
الخطة (B) تعمل على عدم انتصار الجيش، وإعادة قحت – المركزي وحميدتي للمشهد؛ هذا لأن الطرفين باعا أكذوبة أن الجيش جيش كيزان للسعودية ولأمريكا، وتلك فزاعتهم مع البرهان.
وإذا تذكرنا ما قاله رمسي كلارك عن بلده، فالعظة تقتضي ألاّ نأمن ادّعاءات أميركا عن الإنسانية، فذلك مدخلها للسيطرة علينا وتنصيب عملائها.
ولنفترض أن الجيش جيش كيزان، فهل من مصلحة السودان أن نخذل الجيش إرضاء لابن زايد وآخرين، ونحن نعلم أن ابن زايد هو من سلَّح حميدتي بكل أنواع العتاد الفتاك!!!
ياسر أبّشر
————————————
12 مايو 2023
#sudany_tv
#sudan_news
#السودان